كلُّ شيءٍ بقضاءٍ
وقدرٍ ، وهذا معتقدُ أهلِ الإسلامِ ، أتباعِ رسولِ الهدى r ؛ أنهُ لا يقعُ شيءٌ في الكونِ إلا بعلمِ اللهِ وبإذنِه
وبتقديرِه .
﴿ مَا أَصَابَ
مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن
قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ .
﴿ إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ .
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ .
وفي الحديثِ : ((
عجباً لأمرِ المؤمنِ !! إنَّ أمرهَ كلَّه له خير ، إنْ أصابْتهُ سرَّاءُ شكر فكان
خيراً له ، وإنْ أصابتْه ضرَّاءُ صبر فكان خيراً له ، وليسَ ذلك إلا للمؤمن ))
.
وصحَّ عنه r أنه قال : (( إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنت
فاستعنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعُوا على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوكَ
إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لك ِ ، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوك
إلا بشيءٍ قدْ كتبهُ اللهُ عليكَ ، رُفعتِ الأقلامُ ، وجفَّتِ الصحفُ )) .
وفي الحديثِ الصحيح
أيضاً : (( واعلمْ أن ما أصابك لم يكنع لِيخطئَك ، وما أخطأكَ لمْ يكن ليصيبَك
)) .
وصحَّ عنه r أنه قالَ : (( جفَّ القلمُ يا أبا هريرة بما أنت
لاقٍ )) .
وصحَّ عنه r أنهُ قالَ : (( احرصْ على ما ينفعُك ، واستعنُ
باللهِ ولا تعجزْ ، ولا تقلْ : لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا ، ولكنْ قلْ :
قدَّر اللهُ وما شاءَ فَعَلَ )) .
وفي حديثٍ صحيحٍ
عنه r : ((
لا يقضي اللهُ قضاءً للعبدِ إلا كان خيراً له )) .
سُئل شيخُ الإسلامِ
ابنُ تيميةَ عن المعصيةِ : هلْ هيَ خَيْرٌ للعبدِ ؟ قالَ : نعمْ بشرطِها من الندمِ
والتوبةِ ، والاستغفارِ والانكسارِ .
وقولُه سبحانه : ﴿ وَعَسَى أَن
تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
هيَ المقاديرُ
فلُمني أو فَذَرْ
|
|
تجري المقاديرُ
على غرْزِ الإِبَرْ
|
*****************************************
انتظرِ الفرَجَ
في الحديثِ عند
الترمذيِّ : « أفضلُ العبادةِ : انتظارُ الفَرَجِ » . ﴿ أَلَيْسَ
الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾
.
صُبْحُ المهمومين
والمغمومين لاحَ ، فانظرْ إلى الصباحِ ، وارتقبِ الفَتْحَ من الفتَّاحِ .
تقولُ العربُ : « إذا اشتدَّ الحبلُ انقطع » .
والمعنى : إذا تأزَّمتِ الأمورُ ، فانتظرْ فرجاً ومخرجاً .
وقالَ سبحانَهُ وتعالى : ﴿ وَمَن يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ . وقالَ جلَّ شأنُه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ . ﴿ وَمَن يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ .
وقالت العَرَبُ :
الغَمَراتُ ثمَّ
يَنْجلِينَّهْ
|
|
ثم يذهبْنَ ولا يجنَّهْ
|
وقال آخرُ :
كمْ فرجٍ بَعْدَ إياسٍ قد
أتى
|
|
وكمْ سرورٍ قد أتى بَعْدَ
الأسى
|
من يحسنِ الظنَّ بذي
العرشِ جنى
|
|
حُلْوَ الجنَى الرائقَ من
شَوْكِ السَّفا
|
وفي الحديثِ الصحيحِ : ((
أنا عند ظنِّ عبدي بي ، فلْيظنَّ بي ما شاءَ )) .
﴿ حَتَّى إِذَا
اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا
فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ﴾ .
وقولهُ سبحانَهُ : ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْراً ﴾ .
قال بعضُ المفسرين –
وبعضُهُم يجعلُهُ حديثاً - : (( لنْ يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن )) .
وقال سبحانهُ : ﴿ لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ .
وقالَ جلَّ اسمُه: ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ .﴿ إِنَّ رَحْمَتَ
اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وفي الحديثِ
الصحيح : (( واعلمْ أنَّ النصْرَ مع الصَّبْرِ ، وأن الفَرَجَ مَعَ الكُرْبِ ))
.
وقال الشاعرُ :
إذا تضايقَ
أمرٌ فانتظرْ فَرَحاً
|
|
فأقربُ
الأمرِ أدناهُ إلى الفَرجِ
|
وقال آخرُ :
سهرتْ أعينٌ
ونامتْ عيونُ
|
|
في شؤونٍ تكونُ
أو لا تكونُ
|
فدعِ الهمَّ ما
استطعتَ فحِمْـ
|
|
ـلانُك الهمومَ
جُنونُ
|
إن ربّاً كفاكَ
ما كانَ بالأمـ
|
|
ـسِ
سيكفيكَ في غدٍ ما يكونُ
|
وقال آخرُ :
دعِ المقاديرَ
تجري في أعنَّتِها
|
|
ولا تنامنَّ إلا
خالي البالِ
|
ما بينَ غمضةِ
عيْنٍ وانتباهتِها
|
|
يغيّرُ اللهُ مِن
حالٍ إلى حالِ
|
************************************
وقفــة
لا تحزنْ : فإنَّ أموالك التي في خزانتِك وقصورَك السامقةَ ،
وبساتينَك الخضراءَ ، مع الحزنِ والأسى واليأسِ : زيادةٌ في أسَفِكَ وهمِّكَ
وغمِّكَ .
لا تحزنْ : فإنَّ عقاقير الأطباء ، ودواء الصيادلةِ ، ووصفةَ
الطبيبِ لا تسعدُكَ ، وقدْ أسكنت الحزن قلبَك ، وفرشتَ له عينك ، وبسطتَ له
جوانحَك ، وألحفتَه جلدَك .
لا تحزنْ : وأنت تملكُ الدعاءَ ، وتُجيدُ الانطراح على عتباتِ الربوبيةِ ، وتُحسنُ المسكنة على أبواب
ملِكِ الملوكِ ، ومعكَ الثلثُ الأخيرُ من الليلِ ، ولديكَ ساعةُ تمريغ الجبينِ في
السجودِ .
لا تحزنْ : فإنَّ
الله خَلَقَ لكَ الأرض وما فيها ، وأنبت لك حدائقَ ذاتَ بهجةٍ ، وبساتين فيها من
كلِّ زوجٍ بهيجٍ ، ونخلاً باسقاتٍ له طلعٌ نضيدٌ ، ونجوماً لامعاتٍ ، وخمائل
وجداول ، ولكنَّك تحزن !!
لا تحزنْ : فأنت
تشربُ الماء الزلال ، وتستنشقُ الهواء الطَّلْق ، وتمشي على قدميْك معافى ، وتنام
ليلكَ آمناً .
***************************************
أكثِرْ
من الاستغفارِ
﴿ فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل
لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾
.
فأكثر من الاستغفارِ ، لترى الفرَحَ وراحةَ
البالِ ، والرزق الحلالِ ، والذرية الصالحةَ ، والغيثَ الغزيرَ .
﴿
وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً
حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾
.
وفي الحديثِ : (( من أكثر منَ الاستغفارِ
جعلَ اللهُ لهُ منْ كلِّ همٍّ فَرَجاً ، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً )) .
وعليكَ بسيّدِ الاستغفار ، الحديثُ الذي في
البخاري : (( اللهمَّ أنت ربي لا إلهَ إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدُك ، وأنا على
عهدِك ووعدِك ما استطعتُ ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعتُ ، أبوءُ لكَ بنعمتِك عليَّ ،
وأبوءُ بذنبي فاغفِرْ لي ، فإنهُ لا يغفرُ الذنوب إلا أنت)).
**********************************
عليكَ
بذكرِ اللهِ دائماً
قال َ سبحانه : ﴿
أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
. وقال : ﴿فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ﴾ . وقال : ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً{41}
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾
.
وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ
اللَّهِ ﴾ .
وقال : ﴿ وَاذْكُر
رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ . وقال : ﴿
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ{48} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ
وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾
.
وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ
تُفْلَحُونَ ﴾ .
وفي الحديثِ الصحيحِ : (( مَثَلُ
الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكرُ ربَّه ، مَثَلُ الحيِّ والميتِ )) .
وقوله r
: (( سَبَقَ المفرِّدون )) . قالوا : ما المفِّردون يا رسولَ اللهِ ؟ قال ((
الذاكرون الله كثيراً والذاكرات )) .
وفي حديثٍ صحيحٍ : (( ألا أخبرُكم
بأفضلِ أعمالِكِم ، وأزكاها عند مليكِكُمْ وخيْرٍ لكمْ من إنفاقِ الذهبِ والورِقِ
، وخيرٍ لكمْ من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهُمْ ويضربوا أعناقُكُمْ )) ؟
قالوا : بلى يا رسول اللهِ . قال : (( ذِكْرُ اللهِ )) .
وفي حديث صحيح : أنَّ رجلاً أتى إلى
رسول r
فقال : يا رسول اللهِ إنَّ شرائع الإسلام قدْ كُثرَتْ عليَّ ، وأنا كَبِرْتُ
فأخبرْني بشيءٍ أتشبَّثُ بهِ . قال : (( لا يزالُ لسانُكَ رطْباً بذكرِ اللهِ
)) .
*****************************************
لا
تيأسْ منْ رَوْحِ اللهِ
﴿
إِنَّهُ
لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
.
﴿
حَتَّى
إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ
نَصْرُنَا ﴾
.
﴿
وَنَجَّيْنَاهُ
مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
.
﴿
وَتَظُنُّونَ
بِاللَّهِ الظُّنُونَا{10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا
زِلْزَالاً شَدِيداً﴾
.
******************************************
اعفُ
عمَّن أساء إليكَ
ثمنُ القَصَاصِ الباهظِ ، وهو الذي
يدفعُه المنتقمُ من الناسِ ، الحاقدُ عليهمْ : يدفعُه من قلبِه ، ومن لحمِهِ
ودمِهِ ، من أعصابِه ومن راحتِهِ ، وسعادتِه وسرورِهِ ، إذا أراد أنْ يتشفَّى ، أو
غضبَ عليهِمْ أو حَقَدَ . إنه الخاسرُ بلا شكٍّ .
وقدْ أخبرَنا اللهُ سبحانه وتعالى
بدواءِ ذلك وعلاجِهِ ، فقالَ : ﴿
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾
.
وقالَ : ﴿
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
.
وقالَ : ﴿
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ .
*************************************
عندك
نعم كثيرة
فكِّرْ في نِعَمِ اللهِ الجليلةِ وفي
أعطياتِهِ الجزيلةِ ، واشكُرْهُ على هذهِ النعمِ ، واعلمْ أنكَ مغمورٌ بأعطياتِهِ
.
قال سبحانه وتعالى : ﴿
وَإِن
تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾
.
وقال : ﴿
وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
.
وقال سبحانه : ﴿
وَمَا
بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾
.
وقال سبحانه وهو يقررُ العبدُ بنعمِهِ
عليهِ : ﴿
أَلَمْ
نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ ﴾
.
نِعَمٌ تَتْرَى :
نعمةُ الحياةِ ، ونعمةُ العافيةِ ، ونعمةُ السمعِ ، ونعمةُ البصرِ ، واليدينِ
والرجليْن ، والماءِ والهواءِ ، والغذاءِ ، ومن أجلِّها نعمةُ الهدايةِ الربانية: (
الإسلاَمُ ) . يقولُ أحدُ الناسِ : أتريدُ بليون دولار في عينيك ؟ أتريُد
بليون دولارٍ في أذنيك ؟ أتريدُ بليون دولار في رجليك ؟ أتريدُ بليون دولارٍ في
يديك ؟ أتريدُ بليون دولارٍ في قلبك ؟ كمْ من الأموالِ الطائلةِ عندك وما أديتَ
شُكْرَها !! .
****************************************
الدنيا
لا تستحق الحزن عليها
إنَّ مما يثبتُ السعادة وينمِّيها
ويعمقُها : أنْ لا تهتمَّ بتوافهِ الأمورِ ، فصاحبُ الهمةِ العاليةِ همُّه الآخرةُ
.
قال أحدُ السلفِ وهو يُوصِي أحد إخوانِه
: اجعلْ الهمَّ همّاً واحداً ، همَّ لقاءِ اللهِ عز وجل ، همَّ الآخرة ، همَّ
الوقوفِ بين يديْهِ ، ﴿
يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾
.
فليس هناك همومٌ إلا
وهي أقلُّ من هذا الهمِّ ، أيّ همٍّ هذه الحياةُ ؟ مناصبِها ووظائِفها ، وذهبِها
وفضتِها وأولادِها ، وأموالِها وجاهِها وشهرتِها وقصورِها ودورِها ، لا شيء !!
واللهُ جلّ وعلا قد وصف أعداءَهُ
المنافقين فقال : ﴿ أَهَمَّتْهُمْ
أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾
،
فهمُّهم : أنفسُهْم وبطونُهم وشهواتُهم ، وليست لهمْ هِمَمٌ عاليةٌ أبداً !
ولمَّا بايع r
الناس نَحتَ الشجرةِ انفلت أحدُ المنافقين يبحثُ عن جَمَلٍ لهُ أحمر ، وقالَ :
لحُصولي على جملي هذا أحبُّ إليَّ من بيْعتِكُمْ . فورَدَ : « كلُّكمْ
مغفورٌ له إلاَّ صاحبَ الجملِ الأحمرِ » .
إنَّ أحد المنافقين أهمتْهُ نفسهُ ،
وقال لأصحابهِ : لا تنفروا في الحرِّ . فقال سبحانه : ﴿قُلْ
نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ﴾
.
وقال آخرُ : ﴿
ائْذَن
لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾
.
وهمُّه نفسُه ، فقال سبحانه : ﴿
أَلاَ
فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ﴾
.
وآخرون أهمتْهُمْ أموالُهُمْ وأهلوهْم :
﴿
شَغَلَتْنَا
أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾
.
إنهِا الهمومُ التافهةُ الرخيصةُ ، التي يحملُها التافهون الرخيصون ، أما الصحابة
الأجلاَّءُ فإنهمْ يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً .
**********************************
لا
تحزنْ واطردِ الهمَّ
راحةُ المؤمن غَفْلَةٌ ، والفراغُ قاتلٌ ،
والعطالَةُ بطالَةٌ ، وأكثرُ الناسِ هموماً وغموماً وكدراً العاطلونَ الفارغونَ .
والأراجيفُ والهواجسُ رأسُ مالِ المفاليسِ من العملِ الجادِّ المثمرِ .
فتحرَّك واعملْ ، وزاولْ وطالعْ ، واتْلُ
وسبِّحْ ، واكتبْ وزُرْ ، واستفدْ منْ وقتِك ، ولا تجعلْ دقيقةً للفراغِ ، إنك يوم
تفرغُ يدخلُ عليك الهمُّ والغمُّ ، والهاجسُ والوساوسُ ، وتصبحُ ميداناً لألاعيبِ
الشيطانِ .
*************************************
اطلب
ثوابك من ربك
اجعلْ عملك خالصاً لوجهِ اللهِ ، ولا تنتظرْ
شكراً من أحدٍ ، ولا تهتمَّ ولا تغتمَّ إذا أحسنت لأحدٍ من الناسِ ، ووجدته لئيماً
، لا يقدِّرْ هذهِ اليد البيضاء ، ولا الحسنة التي أسديتها إليه ، فاطلبْ أجرك من
اللهِ .
يقول سبحانه عن أوليائِه : ﴿
يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ﴾
. وقال
سبحانه عن أنبيائِه : ﴿
وَمَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾
. ﴿
قُلْ
مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾
.﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ
تُجْزَى﴾
. ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾
.
قال الشاعرُ :
مَنْ يفعلِ الخيرَ لا يعدمْ جوازِيَهُ
|
|
لا يذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ
|
فعاملِ الواحدَ الأحد وحدهُ فهو الذي يُثيبُ
ويعطي ويمنحُ ، ويعاقبُ ويحاسبُ ، ويرضى ويغضبُ ، سبحانهُ وتعالى .
قُتلَ شهداءُ بقندهار ، فقال عمرُ للصحابةِ
: من القتلى ؟ فذكروا لهُ الأسماء ، فقالوا : وأناسٌ لا تعرفُهم . فدمعتْ عينا
عمرَ ، وقال : ولكنَّ الله يعلَمُهم .
وأطعمَ أحدُ الصالحين رجلاً أعمى فالوْذَجاً
( من أفخرِ
الأكلاتِ ) ، فقال أهلُه : هذا الأعمى لا يدري ماذا يأكلُ ! فقالَ : لكنَّ الله
يدري !
ما
دام أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليك ويعلمُ ما قدَّمته من خيرٍ ، وما عملته من بِرٍّ
وما أسديتهُ منْ فضلٍ ، فما عليك من الناسِ .
********************************
لوم اللائمينَ وعذْل العُذَّالِ
﴿
لَن
يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾
﴿
وَلاَ
تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾
. ﴿
وَدَعْ
أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً
﴾
. ﴿
فَبَرَّأَهُ
اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾
.
لا يضرُّ البحرَ أمسى زاخراً
|
|
أنْ رمى فيهِ غلامٌ بِحَجَرْ
|
وفي حديثٍ حسن أنَّ الرسول r قال :
: (( لا تبلِّغوني عن أصحابي سوءاً ، فإني أُحِبُّ أنْ أخرجَ إليكمَ وأنا سليمُ
الصَّدرِ )) .
***********************************
لا
تحزنْ منْ قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، فإن القِلَّةُ معها السّلامةُ
كلّما ترفَّهَ الجسمُ تعقدتِ الروحُ ،
والقلَّةُ فيها السلامةُ ، والزهدُ في الدنيا راحةٌ عاجلةٌ يقدِّمها اللهُ لمن
شاءَ من عبادهِ : ﴿ إِنَّا
نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾
.
قال أحدُهم :
ماءٌ وخبزٌ وظِلُّ
|
|
ذاك النعيمُ الأجَلُّ
|
كفرتُ نعمةَ ربِّي
|
|
إنْ قلتُ إني مُقلُّ
|
ما هيَ الدنيا إلا ماءٌ باردٌ وخبزٌ دافئٌ ،
وظلٌ وارفٌ !!
وقال الشافعي :
أمطري لؤلؤاً سماء سرنْديـ
|
|
ـبَ وفيِضي آبارَ تكْرُور تبِِرا
|
أنا إنْ عشتُ لستُ أعدمُ قوتاً
|
|
وإذا متُّ لستُ أعدمُ قبرا
|
همَّتي هِمَّةُ الملوكِ ونفسي
|
|
نفسُ حرٍّ ترى المذلَّةَ كُفْرا
|
إنها عزَّةُ الواثقين بمبادئِهمْ ،
الصَّادقين في دعوتِهِمْ ، الجادّين في رسالتِهِمْ .
تعليقات